الجمعة ١٢ / شوّال / ١٤٤٦
صاحب السماحة والدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء حفظه الله وأعانه لكل خير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فقد تقدم إلي بعض الحضور في درس من الدروس الأسبوعية بسؤال، وأوصاني برفعه إلى سماحتكم للإجابة عليه مفصلًا وهو يقول: كنت لا أصلي منذ الصغر، صليت بعض الأوقات بالمناسبة وتركت أكثرها، وكان تركي للصلاة جهلًا وإهمالًا، وبعد الزواج بفترة بدأت أصلي، وما زلت ولله الحمد، وكان أمر زوجتي مثل ما كنت عليه، فهي الآن تصلي وتقوم بقضاء ما تيسر من الصلوات الفائتة يوميًا، إلا أني لا أقوم بقضاء ما علي من صلوات منذ سن التكليف، فاختلفنا في هذا الأمر، فهل يلزمنا القضاء لما فات من صلوات أم التوبة كافية؟ أفيدونا حفظكم الله وجزاكم خيرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ابنكم المحب: م. ر. أ. ح
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: قد دل الكتاب والسنة الصحيحة عن النبي ﷺ على أن الإسلام يهدم ما كان ما قبله، وأن التوبة تهدم ما كان قبلها، قال الله سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] أجمع العلماء رحمهم الله على أن هذه الآية الكريمة نزلت في التائبين، وأنها دالة على أن الله سبحانه يغفر الذنوب جميعها للتائبين، وأنه ليس عليهم قضاء صلاة ولا صوم ولا غيرهما، وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها أخرجه مسلم في صحيحه، وصح عن رسول الله ﷺ أنه قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وقد أسلم الناس يوم الفتح فلم يأمرهم النبي ﷺ بقضاء شيء مما تركوا من فرائض الإسلام، وهكذا أصحاب النبي ﷺ في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، لما ارتد كثير من العرب بعد موت النبي ﷺ من بني حنيفة وغيرهم، ثم أسلم كثير منهم وتاب إلى الله سبحانه، فلم يأمرهم الصحابة رضي الله عنهم بقضاء ما تركوا من الصلاة والصيام، وهذا محل إجماع بين أهل العلم. والله ولي التوفيق[1]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إجابة سماحته على رسالة شخصية من م. ر. أ. ح في 18 / 3 / 1417 هـ. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 10/ 313).
والمقصود من هذه المحاضرة والمقصود من هذا التعليق كله أن تعلموا الحقيقة، وأن تنشروها إلى من وراءكم، كل من سمع شيئًا من الحق ينشره إلى من وراءه ويبلغه من وراءه، كان النبي ﷺ إذا خطب الناس يقول ﷺ: فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، ويقول: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها ثم أداها ثم بلغها إلى من يسمعها ثم أداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، وربما قال: ورب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. فالمقصود أنك -يا عبد الله- إذا بلغت قد تبلغ أناسًا أفقه لما تبلغهم منك، وقد ينتفعون بذلك، وقد يبلغونه غيرهم أيضًا، وبهذا ينتشر العلم، وتنتشر الفوائد، ويظهر الحق بين الناس، بنقل العلم ونقل الفائدة من مكان إلى مكان، ومن مجتمع إلى مجتمع، وبهذا تظهر الحقائق، وتظهر الفوائد، وينشر العلم، ويخذل الباطل، ويندحر الباطل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يبلغ العلم، ويأخذ بالحق، وينشره، ويقف عند الحق، وعند الحدود التي حدها الله ورسوله، ويحذر الباطل أينما كان، إنه جل وعلا جواد كريم، وجزى الله أخانا الشيخ محمد بن حسن الدريعي خيرًا، ونفعنا جميعًا بما علمنا وبما سمعنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الدنيا -أيها الإخوة- دار الابتلاء والامتحان، هذه الدار دار ابتلاء وامتحان، يبتلى فيها أهل التوحيد بأهل الشرك، ويبتلى فيها أهل السنة بأهل البدعة، ويبتلى فيها أهل الإيمان والتقوى بأهل المعاصي، ويبتلى فيها الأخيار بالأشرار، في كل مكان، لكن الموفق من وفقه الله للصبر والثبات على الحق، والجدال بالحسنى؛ لإظهار الحق ودحر الباطل، هذا هو الموفق، من ثبت على الحق وإن تركه الناس فالحق أحق بالاتباع وإن تركه الناس، فالموفق من لزم الحق واستقام عليه، وصبر عليه ولو تركه الناس، وحذر من الباطل وابتعد عنه ولو فعله الناس. رزق الله الجميع التوفيق والهداية.